هجرة العقول إلى العقول

هجرة العقول إلى العقول!
إذا كانت تأخذ الدّنيا غلابا ، وفيها تصارع الوحوش على البقاء والوجود ، فوجوباً لنا الحقّ في التّعرية ، تعرية كلّ المسارات الشوهاء التي رأيناها رأي العين ، قد خطتْ خطوطها في عقولنا قبل قلوبنا ، وبلا شك معركة الإنسان أبديّة إلى يومٍ تسافر فيه الأرواح ببلاء الأجساد ، لتصعد إلى السماء ، مناجيّة راجية ، ألّا تَعودَ كوكب الأرض الذي بات متنفّسه القتل والإجرام وإهانة كرامة الإنسان ، وحدها الكرامة الإنسانية إذا فُقِدت لم يبق للإنسان هويةً ولا عيشةً هنيّة ، ومنه أبدأ - منْ خرج من دياره وأرضه قهراً وجوراً ، لن يجد الراحة والأمن أينما حلّ وَنزلَ !
شكوى أبثّها من رجفات القلم ووجع احتضنه الفؤاد ولن يفارقه، هي قصة الخصوصية الحضارية (الكرامة والهويّة)!
هل من مدكر يدرك معنى اللجوء والغربة والتغريب؟
هُجّرنا رغماً عنّا _ لكن منْ فرض علينا أن نكون مثلهم؟
أين الخصوصية في الكرامة والهويّة؟ أنسينا حضارتنا؟
تقول إحدى دراسات علم الاجتماع التي تدرس الفرد والمجتمع : إنّ من أهم أسباب مشكلات الحضارة في المجتمعات ، هي هجّرُ تاريخها وتحريفه ، والوقائع لا تكذب عين ناظرها ، والتاريخ يحمل بين سطوره ( الدّين ، اللغة ، الانتماء ، العادات والعُرف ، تراث وقصص الأوّلين السابقين ...) التاريخ هو صانع حضارة الشعوب ، ونحن في دول اللجوء والغربة غرّبتَ عقولنا ، وأخذتَ جرعات من النسف والنسيان ، بل أكثرنا لجأ إلى محاربة موروثه وحضارته ، ليصبح شيئاً فشيئاً _ فاقد الهوية والشعور والانتماء ، وفاقد لمعاني الكرامة الإنسانية ، يظن نفسه رابحاً ، ولم يعرف أحدنا أنّ لكلّ شعبٍ من الشعوب له خصوصية حضارية، ومن المستحيل أن يقف العاقل أمام هذه المعضلة ولا يُحرك ساكناً !
لنا حضارتنا ولهم حضارتهم، لنا مجدنا ولهم مجدهم، لنا عاداتنا ولهم عاداتهم، لنا موروثا وإرثنا ولهم موروثهم وإرثهم، فعلام الإصرار على ما عند الغير وتقليدهم، ما هذه التبعية؟ أما شَبعنا من سَوقنا سوق الغنم في دولة الاستبداد والعصابة؟! المعنى الحقيقي لمفهوم الهوية والكرامة الإنسانية: أنّها لا تجتمع في الشخص الذي ينكر ويتبرأ من حضارته ويستحي من ذكرها وصونها، ما عَسنا أن نقول؟ وما وراء اللجوء والتغريب؟
في حضارتنا العربية والإسلامية ما هو غني وكافي لنبوح ونفتخر به، نحن خلقنا لنكون أعزّاء لا أذلاء، وما جرى علينا كشعبٍ من الشعوب مالنا طاقة به، ولولا جلادنا وطاغية الشام لمّا خرجنا، ضاقت الأرض بنا، وشآءت الأقدار أن نكون هنا وهناك، لكن حبذا أن نبقى الأوفياء لحضارتنا، ألّا نخرج عن معتقداتنا وموروثنا،
وألّا نكون أضحوكة الدول المُضيفة، هم يتسابقون في إعلاء رايتهم وتحقيق عزّتهم ومصالحهم ومجدهم، حتى لو كلفهم ذلك طحن الشعوب الأخرى وسفك دمائها، ونحن أغلقنا عقولنا وعيوننا ونظرنا لكلّ أحوالنا بعيونهم، لدرجة الأخذ بحلولهم الجاهزة وإسقاطها على شئوننا، والتي ليست على مقاسنا ولا من خصوصية حضارتنا، هذا الانسلاخ الهوياتي والحضاري هو علّة العيش بلا كرامة إنسانية (أينما وحيثما كنّا) ومع قليل من الشفافية عسى تجد كلماتنا وَقعَها في الضمائر والعقول ، نحن لا نعارض ثقافات الشعوب وعلومها ، ولا ندعو إلى الانغلاق والعداء ، كما أنّ من الحكمة التعلم والاطلاع ومعرفة حياة المجتمعات ومحاولة التفاعل معها على تنوعها وتباينها وتضادها ، وبالأخصّ المكان الذي وضع كلّ منّا رحاله ، موضوعنا في هذا المضمار تغريب الفكر والعقل بما يناقض الخصوصية الحضارية لمجتمعنا وحضارتنا العربية والإسلامية ، وهنا نقف بمسك الختام لأعزاءنا القرّاء .... لنحذر جميعنا من مهبّات ومطبّات الفقد الهوياتي والانسلاخ الحضاري بالتغريب وأشكاله ومسمياته، وليعلم العالم أجمع ... نحن لسنا أجندة ولا عملاء للإتباع وللتقليد، بل أحرار أباة نستطيع إيجاد البدائل في الحلول والإبداع في كلّ الأمور... بالرجوع إلى ثراء حضارتنا العربية والإسلامية، هكذا تكون خصوصية حضارتنا وإبداعاتنا الحضارية محفوظة ومُصانة.
براءة الحمدو
التعليقات
اضافة تعليق